فصل: تفسير الآيات (65- 71):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الدر المنثور في التفسير بالمأثور (نسخة منقحة)



.تفسير الآيات (60- 64):

{قَالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِهِ إِنَّا لَنَرَاكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (60) قَالَ يَا قَوْمِ لَيْسَ بِي ضَلَالَةٌ وَلَكِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ (61) أُبَلِّغُكُمْ رِسَالَاتِ رَبِّي وَأَنْصَحُ لَكُمْ وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ (62) أَوَعَجِبْتُمْ أَنْ جَاءَكُمْ ذِكْرٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَلَى رَجُلٍ مِنْكُمْ لِيُنْذِرَكُمْ وَلِتَتَّقُوا وَلَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (63) فَكَذَّبُوهُ فَأَنْجَيْنَاهُ وَالَّذِينَ مَعَهُ فِي الْفُلْكِ وَأَغْرَقْنَا الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا عَمِينَ (64)}
أخرج ابن أبي حاتم عن أبي مالك {قال الملأ} يعني الاشراف من قومه.
وأخرج أبو الشيخ عن السدي {أَوَ عجبتم أَن جاءكم ذكر ربكم} قال: بيان من ربكم.
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم من طريق الضحَّاك عن ابن عباس {إنهم كانوا قوماً عمين} قال: كفاراً.
وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد {إنهم كانوا قوماً عمين} قال: عن الحق.

.تفسير الآيات (65- 71):

{وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُودًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ أَفَلَا تَتَّقُونَ (65) قَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ إِنَّا لَنَرَاكَ فِي سَفَاهَةٍ وَإِنَّا لَنَظُنُّكَ مِنَ الْكَاذِبِينَ (66) قَالَ يَا قَوْمِ لَيْسَ بِي سَفَاهَةٌ وَلَكِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ (67) أُبَلِّغُكُمْ رِسَالَاتِ رَبِّي وَأَنَا لَكُمْ نَاصِحٌ أَمِينٌ (68) أَوَعَجِبْتُمْ أَنْ جَاءَكُمْ ذِكْرٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَلَى رَجُلٍ مِنْكُمْ لِيُنْذِرَكُمْ وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ مِنْ بَعْدِ قَوْمِ نُوحٍ وَزَادَكُمْ فِي الْخَلْقِ بَسْطَةً فَاذْكُرُوا آَلَاءَ اللَّهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (69) قَالُوا أَجِئْتَنَا لِنَعْبُدَ اللَّهَ وَحْدَهُ وَنَذَرَ مَا كَانَ يَعْبُدُ آَبَاؤُنَا فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (70) قَالَ قَدْ وَقَعَ عَلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ رِجْسٌ وَغَضَبٌ أَتُجَادِلُونَنِي فِي أَسْمَاءٍ سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآَبَاؤُكُمْ مَا نَزَّلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ فَانْتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ (71)}
أخرج ابن المنذر من طريق الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس في قوله: {وإلى عاد أخاهم هوداً} قال: ليس بأخيهم في الدين ولكنه أخوهم في النسب، فلذلك جعله أخاه لأنه منهم.
وأخرج إسحاق بن بشر وابن عساكر عن الشرفي بن قطامى قال: هود اسمه عابر بن شالخ بن ارفشخد بن سام بن نوح.
وأخرج ابن منذر عن ابن جريج قال: يزعمون أن هوداً من بني عبد الضخم من حضرموت.
وأخرج إسحاق بن بشر وابن عساكر من طريق عطاء عن ابن عباس قال: كان هوداً أول من تكلم بالعربيه، وولد لهود أربعة: قحطان، ومقحط، وقاحط، وفالغ، فهو أبو مظر، وقحطان أبو اليمن، والباقون ليس لهم نسل.
وأخرج إسحاق بن بشر وابن عساكر من طريق مقاتل عن الضحاك عن ابن عباس ومن طريق إبن اسحق عن رجال سماهم ومن طريق الكلبي قالوا جميعاً: إن عاداً كانوا أصحاب أوثان يعبدونها، اتخذوا أصناماً على مثال ودَّ، وسواع، ويغوث، ونسر، فاتخذوا صنماً يقال له: صمود، وصنماً له: الهتار، فبعث الله إليهم هوداً، وكان هود من قبيلة يقال لها الخلود، وكان أوسطهم نسباً وأصبحهم وجهاً، وكان في مثل أجسادهم أبيض بعد أبادي، العنفقة، طويل اللحية، فدعاهم إلى الله، وأمرهم أن يوحدوه وأن يكفوا عن ظلم الناس، ولم يأمرهم بغير ذلك، ولم يدعهم إلى شريعة ولا إلى صلاة، فأبوا ذلك وكذبوه، وقالوا: من أشد قوّة؟ فذلك قوله تعالى {وإلى عاد أخاهم هوداً} كان من قومهم ولم يكن أخاهم في الدين {قال يا قوم اعبدوا الله} يعني وحدوا الله {ولا تشركوا به شيئاً ما لكم} يقول: لكم {من إله غيره أفلا تتقون} يعني فكيف لا تتقون {واذكروا إذ جعلكم خلفاء} يعني سكاناً {في الأرض من بعد قوم نوح} فكيف لا تعتبرون فتؤمنوا وقد علمتم ما نزل بقوم نوح من النقمة حين صعوه؟! {واذكروا آلاء الله} يعني هذه النعم {لعلكم تفلحون} أي كي تفلحوا، وكانت منازلهم بالأحقاف، والأحقاف: الرمل. فيما بين عمان حضرموت باليمن، وكانوا مع ذلك قد أفسدوا في الأرض كلها، وقهروا أهلها بفضل قوّتهم التي آتاهم الله.
وأخرج ابن أبي حاتم عن الربيع بن خثيم قال: كانت عاد ما بين اليمن إلى الشام مثل الذر.
وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي. إن عاداً كانوا باليمن بالأحقاف، والأحقاف: هي الرمال. وفي قوله: {واذكروا إذ جعلكم خلفاء من بعد قوم نوح} قال: ذهب بقوم نوح {واستخلفكم بعدهم وزادكم في الخلق بسطة} قال: الطول.
وأخرج ابن عساكر عن وهب قال: كان الرجل من عاد ستين ذراعاً بذراعهم، وكان هامة الرجل مثل القبة العظيمة، وكان عين الرجل ليفرخ فيها السباع، وكذلك مناخرهم.
وأخرج عبد بن حميد عن قتادة {وزادكم في الخلق بسطة} قال: ذكر لنا أنهم كانوا أثني عشر ذراعاً طوالاً.
وأخرج ابن مردويه عن عبد الله بن عمرو قال: كان الرجل ممن كان قبلكم بين منكبيه ميل.
وأخرج الحكيم الترمذي في نوادر الأصول عن ابن عباس قال: كان الرجل في خلقه ثمانون باعاً، وكانت البرة فيهم ككلية البقر، والرمانة الواحدة يقعد في قشرها عشرة نفر.
وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن عباس {وزادكم في الخلق بسطة} قال: شدة.
وأخرج عبد الله بن أحمد في زوائد الزهد وابن أبي حاتم عن أبي هريرة قال: إن كان الرجل من قوم عاد ليتخذ المصراع من الحجارة لو اجتمع عليه خمسمائة من هذه الأمة لم يستطيعوا أن ينقلوه، وإن كان أحدهم ليدخل قدمه في الأرض فتدخل فيها.
وأخرج الزبير بن بكار في الموفقيات عن ثور بن زيد الديلمي قال: قرأت كتاباً: انا شداد بن عاد، انا الذي رفعت العماد، وانا الذي سددت بدراً عن بطن واد، وانا الذي كنزت كنزاً في البحر على تسع أذرع لا يخرجه إلا أمة محمد صلى الله عليه وسلم.
وأخرج ابن بكار عن ثور بن زيد قال: جئت اليمن فإذا أنا برجل لم أر أطول منه قط فعجبت. قالوا: تعجب من هذا؟ قلت: والله ما رأيت أطول من ذا قط... ! قالوا فوالله لقد وجدنا ساقاً أو ذراعاً فذرعناها بذراع هذا، فوجدناها ست عشرة ذراعاً.
وأخرج الزبير بن بكار عن زيد بن أسلم قال: كان في الزمن الأول تمضي أربعمائة سنة ولم يسمع فيها بجنازة.
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن عباس في قوله: {آلاء الله} قال: نعم الله. وفي قوله: {رجس} قال: سخط.
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن زيد في قوله: {قد وقع عليكم من ربكم رجس} قال: جاءهم منه عذاب، والرجس: كله عذاب في القرآن.
وأخرج الطستي عن ابن عباس أن نافع بن الأزرق قال له: أخبرني عن قوله رجس وغضب؟ قال: الرجس: اللعنه، والغضب: العذاب. قال: وهل تعرف ذلك؟ قال: نعم. أما سمعت قول الشاعر وهو يقول:
إذا سنة كانت بنجد محيطة ** وكان عليهم رجسها وعذابها

.تفسير الآية رقم (72):

{فَأَنْجَيْنَاهُ وَالَّذِينَ مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَقَطَعْنَا دَابِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا وَمَا كَانُوا مُؤْمِنِينَ (72)}
أخرج إسحاق بن بشر وابن عساكر من طريق عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: لما أوحى الله إلى العقيم أن تخرج على قوم عاد فتنتقم له منهم، فخرجت بغير كيل على قدر منخر ثور حتى رجفت الأرض ما بين المشرق والمغرب، فقال الخزان: رب لن نطيقها ولو خرجت على حالها لأهلكت ما بين مشارق الأرض ومغاربها، فأوحى الله إليها: أن ارجعي. فرجعت فخرجت على قدر خرق الخاتم وهي الحقلة، فأوحى الله إلى هود: أن يعتزل بمن معه من المؤمنين في حظيرة، فاعتزلوا وخطَّ عليهم خطاً، وأقبلت الريح فكانت لا تدخل حظيرة هود ولا تجاوز الخط، وإنما يدخل عليهم منها بقدر ما تلذ به أنفسهم وتلين عليه الجلود، وإنها لَتَمَرُّ من عاد بالظعن بين السماء والأرض وتدمغهم بالحجارة، وأوحى الله إلى الحيات والعقارب: أن تأخذ عليهم الطرق فلم تدع عادياً يجاوزهم.
وأخرج ابن عساكر عن وهب قال: لما أرسل الله الريح على عاد اعتزل هود ومن معه من المؤمنين في حظيرة ما يصيبهم من الريح إلا ما تلين عليه الجلود وتلتذه الأنفس، وإنها لتمر بالعادي فتحمله بين السماء والأرض وتدمغه بالحجارة.
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن زيد في قوله: {وقطعنا دابر الذين كذبوا} قال: استأصلناهم.
وأخرج أبو الشيخ في العظمة عن هزين بن حمزة قال: سأل النبي صلى الله عليه وسلم ربه أن يريه رجلاً من قوم عاد، فكشف الله له عن الغطاء، فإذا رأسه بالمدينة ورجلاه بذي الحليفة، أربعة أميال طوله.
وأخرج ابن عساكر من طريق سالم بن أبي الجعد عن عبد الله قال: ذكر الأنبياء عن النبي صلى الله عليه وسلم، فلما ذكر هود قال: «ذاك خليل الله».
وأخرج أحمد وأبو يعلى وابن عساكر عن ابن عباس قال: لما حجَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم مرَّ بوادي عسفان فقال: «لقد مر به هوداً وصالح على بكرات حمر خطمهن الليف، ازرهم العباء وأرديتهم النمار يلبون ويحجون البيت العتيق».
وأخرج ابن عساكر عن ابن سابط قال: بين المقام والركن وزمزم قُبِرَ تسعة وسبعون نبياً، وان قبر نوح وهود وشعيب وصالح وإسمعيل في تلك البقعة.
وأخرج ابن سعد وابن عساكر عن إسحاق بن عبد الله بن أبي فروة قال: ما يعلم قبر نبي من الأنبياء إلا ثلاثة: قبر إسماعيل فإنه تحت الميزاب بين الركن والبيت، وقبر هود فإنه في حقف تحت جبل من جبال اليمن عليه شجرة وموضعه أشد الأرض حراً، وقبر رسول الله صلى عليه وسلم فإن هذه قبورهم حق.
وأخرج البخاري في تاريخه وابن جرير وابن عساكر عن علي بن أبي طالب قال: قبر هود بحضرموت في كثيب أحمر، عند رأسه سدرة.
وأخرج ابن عساكر عن عثمان بن أبي العاتكة قال: قبلة مسجد دمشق قبر هود عليه السلام.
وأخرج أبو الشيخ عن أبي هريرة قال: كان عمر هود أربعمائة واثنتين وسبعين سنة.
وأخرج الزبير بن بكار في الموفقيات عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال: عجائب الدنيا أربعة: مرآة كانت معلقة بمنارة الاسكندرية، فكان يجلس الجالس تحتها فيبصر من بالقسطنطينية وبينهما عرض البحر، وفرس كان من نحاس بأرض الأندلس قائلاً بكفه كذا باسطاً يده أي ليس خلفي مسلك فلا يطأ تلك البلاد أحد إلا أكلته النمل، ومنارة من نحاس عليها راكب من نحاس بأرض عاد، فإذا كانت الأشهر الحرم هطل منه الماء فشرب الناس وسقوا وصبوا في الحياض، فإذا انقطعت الأشهر الحرم انقطع ذلك الماء، وشجرة من نحاس عليها سودانية من نحاس بأرض رومية، إذا كان أوان الزيتون صفرت السودانية التي من نحاس فتجيء كل سودانية من الطيارات بثلاث زيتونات، زيتونتين برجليها، وزيتونة بمنقارها، حتى تلقيه على تلك السودانية النحاس، فيعصر أهل رومية ما يكفيهم لأدامهم وسرجهم شتويتهم إلى قابل.

.تفسير الآيات (73- 79):

{وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ قَدْ جَاءَتْكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ هَذِهِ نَاقَةُ اللَّهِ لَكُمْ آَيَةً فَذَرُوهَا تَأْكُلْ فِي أَرْضِ اللَّهِ وَلَا تَمَسُّوهَا بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (73) وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ مِنْ بَعْدِ عَادٍ وَبَوَّأَكُمْ فِي الْأَرْضِ تَتَّخِذُونَ مِنْ سُهُولِهَا قُصُورًا وَتَنْحِتُونَ الْجِبَالَ بُيُوتًا فَاذْكُرُوا آَلَاءَ اللَّهِ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ (74) قَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِمَنْ آَمَنَ مِنْهُمْ أَتَعْلَمُونَ أَنَّ صَالِحًا مُرْسَلٌ مِنْ رَبِّهِ قَالُوا إِنَّا بِمَا أُرْسِلَ بِهِ مُؤْمِنُونَ (75) قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا بِالَّذِي آَمَنْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ (76) فَعَقَرُوا النَّاقَةَ وَعَتَوْا عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ وَقَالُوا يَا صَالِحُ ائْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِنْ كُنْتَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ (77) فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ (78) فَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقَالَ يَا قَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسَالَةَ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ وَلَكِنْ لَا تُحِبُّونَ النَّاصِحِينَ (79)}
أخرج أبو الشيخ عن مطلب بن زياد قال: سألت عبد الله بن أبي ليلى عن اليهودي والنصراني يقال له أخ؟ قال: الأخ في الدار، الا ترى قول الله: {وإلى ثمود أخاهم صالحاً}.
وأخرج سنيد وابن جرير والحاكم من طريق حجاج عن أبي بكر عن عبد الله عن شهر بن حوشب عن عمرو بن خارجة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «كانت ثمود قوم صالح، اعمرهم الله في الدنيا فأطال أعمارهم حتى جعل أحدهم يبني المسكن من المدر فينهدم والرجل منهم حي، فلما رأوا ذلك اتخذوا من الجبال بيوتاً فنحتوها وجابوها وخرقوها، وكانوا في سعة من معايشهم فقالوا: يا صالح ادع لنا ربك يخرج لنا آية نعلم أنك رسول الله. فدعا صالح ربه فأخرج لهم الناقة، فكان شربها يوماً وشربهم يوماً معلوماً، فإذا كان يوم شربها خلوا عنها وعن السماء وحلبوها لبناً ملأوا كل اناء ووعاء وسقاء، حتى إذا كان يوم شربهم صرفوها عن الماء فلم تشرب منه شيئاً فملأوا كلَّ اناء ووعاء وسقاء.
فأوحى الله إلى صالح: إن قومك سيعقرون ناقتك. فقال لهم: فقالوا: ما كنا لنفعل... ! فقال لهم: أن لا تعقروها أنتم يوشك أن يولد فيكم مولود يعقرها. قالوا: فما علامة ذلك المولود، فوالله لا نجده إلا قتلناه؟ قال: فإنه غلام أشقر أزرق أصهب أحمر. وكان في المدينة شيخان عزيزان منيعان لاحدهما ابن يرغب به عن المناكح، وللآخر ابنة لا يجد لها كفؤا، فجمع بينهما مجلس فقال أحدهما لصاحبه: ما يمنعك أن تزوج ابنك؟ قال: لا أجد له كفؤا، قال: فإن ابنتي كفء له فانا أزوجك. فزوجه، فولد بينهما مولود. وكان في المدينة ثمانية رهط يفسدون في الأرض ولا يصلحون، فلما قال لهم صالح: إنما يعقرها مولود فيكم. اختاروا ثماني نسوة قوابل من القرية، وجعلوا معهن شرطاً كانوا يطوفون في القرية فإذا نظروا المرأة تمخض نظروا ما ولدها؟ إن كان غلاماً قلبنه فنظرن ما هو؟ وإن كانت جارية أعرضن عنها.
فلما وجدوا ذلك المولود صرخت النسوة: هذا الذي يريد صالح رسول الله، فأراد الشرط أن يأخذوه فحال جداه بينهم وقالوا: لو أن صالحاً أراد هذا قتلناه، فكان شر مولود وكان يشب في اليوم شباب غيره في الجمعة، ويشب في الجمعة شباب غيره في الشهر، ويشب في الشهر شباب غيره في السنة، فاجتمع الثمانية الذين يفسدون في الأرض ولا يصلحون وفيهم الشيخان، فقالوا: استعمل علينا هذا الغلام لمنزلته وشرف جديه فكانوا تسعة، وكان صالح لا ينام معهم في القرية، كان يبيت في مسجده، فإذا أصبح أتاهم فوعظهم وذكرهم، وإذا أمسى إلى مسجده فبات فيه.
قال حجاج، وقال ابن جريج: لما قال لهم صالح: إنه سيولد غلام يكون هلاككم على يديه قالوا: فكيف تأمرنا؟ قال: آمركم بقتلهم: فقتلوهم إلا واحداً قال: فلما بلغ ذلك المولود قالوا: لو كنا لم نقتل أولادنا لكان لكل رجل منا مثل هذا، هذا عمل صالح، فأتمروا بينهم بقتله وقالوا: نخرج مسافرين والناس يروننا علانية، ثم نرجع من ليلة كذا من شهر كذا وكذا فنرصده عند مصلاه فنقتله فلا يحسب الناس إلا أنا مسافرون كما نحن، فاقبلوا حتى دخلوا تحت صخرة يرصدونه، فأرسل الله عليهم الصخرة فرضختهم فاصبحوا رضخاً، فانطلق رجال ممن قد اطلع على ذلك منهم فإذا هم رضخ، فرجعوا يصيحون في القرية: أي عباد الله أما رضي صالح إن أمرهم أن يقتلوا أولادهم حتى قتلهم؟! فاجتمع أهل القرية على قتل الناقة أجمعين، وأحجموا عنها إلا ذلك ابن العاشر.
ثم رجع الحديث إلى حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: وأرادوا أن يمكروا بصالح، فمشوا حتى أتوا على شرب طريق صالح فاختبأ في ثمانية، وقالوا: إذا خرج علينا قتلناه وأتينا أهله فبيتناهم، فأمر الله الأرض فاستوت عليهم، فاجتمعوا ومشوا إلى الناقة وهي على حوضها قائمة، فقال الشقي لأحدهم، ائتها فاعقرها. فاتاها فتعاظمه ذلك فاضرب عن ذلك، فبعث آخر فأعظمه ذلك، فجعل لا يبعث رجلاً إلا تعاظمه أمرها حتى مشى إليها وتطاول فضرب عرقوبيها فوقعت تركض، فرأى رجل منهم صالحاً فقال: ادرك الناقة فقد عقرت. فأقبل وخرجوا يتلقونه ويعتذرون إليه يا نبي الله إنما عقرها فلان إنه لا ذنب لنا.
قال: فانظروا هل تدركون فصليها؟ فإن أدركتموه فعسى الله أن يرفع عنكم العذاب. فخرجوا يطلبونه، فلما رأى الفصيل أمه تضطرب أتى جبلاً يقال له القارة قصير، فصعد وذهبوا ليأخذوه، فأوحى الله إلى الجبل، فطال في السماء حتى ما تناله الطير، ودخل صالح القرية فلما رآه الفصيل بكى حتى سالت دموعه، ثم استقبل صالحاً فرغا رغوة، ثم رغا أخرى، ثمم رغا أخرى فقال صالح لقومه: لكل رغوة أجل فتمتعوا في داركم ثلاثة أيام ذلك وعد غير مكذوب، الا أن آية العذاب أن اليوم الأول تصبح وجوهكم مصفرة، واليوم الثاني محمرة، واليوم الثالث مسودة، فلما أصبحوا إذا وجوههم كأنها قد طليت بالخلوق صغيرهم وكبيرهم ذكرهم وأنثاهم، فلما أمسوا صاحوا بأجمعهم ألا قد مضى يوم من الأجل وحضركم العذاب، فلما أصبحوا اليوم الثاني إذا وجوههم محمرة كأنها خضبت بالدماء، فصاحوا وضجوا وبكوا وعرفوا أنه العذاب، فلما أمسوا صاحوا بأجمعهم ألا قد مضى يومان من الأجل وحضركم العذاب، فلما أصبحوا اليوم الثالث فإذا وجوههم مسودة كأنها طليت بالقار، فصاحوا جميعاً ألا قد حضركم العذاب فتكفنوا وتحنطوا.
وكان حنوطهم الصبر والمغر وكانت أكفانهم الانطاع، ثم ألقوا أنفسهم بالأرض فجعلوا يقلبون أبصارهم فينظرون إلى السماء مرة وإلى الأرض مرة فلا يدرون من أين يأتيهم العذاب، من فوقهم من السماء أم من تحت أرجلهم من الأرض خسفاً أو قذفاً، فلما أصبحوا اليوم الرابع أتتهم صيحة من السماء فيها صوت كل صاعقة وصوت كل شيء له صوت في الأرض، فتقطعت قلوبهم في صدورهم، فاصبحوا في ديارهم جاثمين»
.
وأخرج عبد الرزاق والفريابي وابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن أبي الطفيل قال: قال ثمود لصالح: ائتنا بآية إن كنت من الصادقين. قال: اخرجوا، فخرجوا إلى هضبة من الأرض فإذا هي تمخض كما تمخض الحامل، ثم إنها انفرجت فخرجت الناقة من وسطها، فقال لهم صالح {هذه ناقة الله لكم آية فذروها تأكل في أرض الله ولا تمسوها بسوء فيأخذكم عذاب أليم} فلما ملوها عقروها {فقال تمتعوا في داركم ثلاثة أيام ذلك وعد غير مكذوب} [ هود: 65].
وأخرج عبد الرزاق وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن قتادة. أن صالحاً قال لهم حين عقروا الناقة: تمتعوا ثلاثة أيام ثم قال لهم: آية عذابكم أن تصبح وجوهكم غداً مصفرة، وتصبح اليوم الثاني محمرة، ثم تصبح الثالث مسودة. فأصبحت كذلك... ! فما كان اليوم الثالث أيقنوا بالهلاك، فتكفنوا وتحنطوا، ثم أخذتهم الصيحة فاهمدتهم. وقال عاقر الناقة: لا أقتلها حتى ترضوا أجمعين. فجعلوا يدخلون على المرأة في خدرها فيقولون: ترضين...؟ فتقول: نعم والصبي، حتى رضوا أجمعين فعقروها.
وأخرج أحمد والبزار وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني في الأوسط وأبو الشيخ والحاكم وصححه وابن مردويه عن جابر بن عبد الله «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما نزل الحجر قام فخطب الناس فقال: يا أيها الناس لا تسألوا نبيكم عن الآيات، فإن قوم صالح سألوا نبيهم أن يبعث إليهم آية فبعث الله إليهم الناقة، فكانت ترد من هذا الفج فتشرب ماءهم يوم وردها، ويحتلبون من لبنها مثل الذي كانوا يأخذون من مائها يوم غبها وتصدر من هذا الفج، فعتوا عن أمر ربهم فعقروها فوعدهم الله العذاب بعد ثلاثة أيام، وكان وعداً من الله غير مكذوب، ثم جاءتهم الصيحة فأهلك الله من كان منهم تحت مشارق الأرض ومغاربها إلا رجلاً كان في حرم الله، فمنعه حرم الله من عذاب الله. فقيل: يا رسول الله من هو؟ قال:أبو رغال. فلما خرج من الحرم أصابه ما أصاب قومه».
وأخرج ابن جرير وأبو الشيخ وابن مردويه من حديث ابن الطفيل مرفوعاً. مثله.
وأخرج أحمد وابن المنذر عن أبي كبشة الأنماري قال: لما كان في غزوة تبوك تسارع قوم إلى أهل الحجر يدخلون عليهم، فنودي في الناس، إن الصلاة جامعة؛ فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يقول «علام يدخلون على قوم غضب الله عليهم؟ فقال رجل: نعجب منهم يا رسول الله؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ألا انبئكم بأعجب من ذلك، رجل من أنفسكم ينبئكم بما كان قبلكم وبما هو كائن بعدكم، استقيموا وسددوا فإن الله لا يعبأ بعذابكم شيئاً، وسيأتي الله بقوم لا يدفعون عن أنفسهم شيئاً».
وأخرج ابن أبي حاتم عن قتادة. أن ثمود لما عقروا الناقة تغامزوا وقالوا: عليكم الفصيل. فصعد الفصيل القارة جبلاً حتى إذا كان يوماً استقبل القبلة وقال: يا رب أمي، يا رب أمي، يا رب أمي، فأرسلت عليهم الصيحة عند ذلك.
وأخرج ابن أبي حاتم عن عبد الله بن أبي الهذيل قال: لما عقرت الناقة صعد بكرها فوق جبل فرغا، فما سمعه شيء إلا همد.
وأخرج ابن أبي حاتم عن عطاء قال: لما قتل قوم صالح الناقة قال لهم صالح: ان العذاب آتيكم. قالوا له: وما علامة ذلك؟ قال: إن تصبح وجوهكم أول يوم محمرة، وفي اليوم الثاني مصفرة، وفي اليوم الثالث مسودة. فلما أصبحوا أول يوم احمرت وجوههم، فلما كان اليوم الثاني اصفرت وجوههم، فلما كان اليوم الثالث أصبحت وجوههم مسودة، فأيقنوا بالعذاب فتحنطوا وتكفنوا وأقاموا في بيوتهم، فصاح بهم جبريل صيحة فذهبت أرواحهم.
وأخرج أبو الشيخ عن السدي قال: إن الله بعث صالحاً إلى ثمود فدعاهم فكذبوه، فسألوا أن يأتيهم بآية، فجاءهم بالناقة لها شرب ولهم شرب يوم معلوم، فاقروا بها جميعاً فكانت الناقة لها شرب فيوم تشرب فيه الماء نهر بين جبلين فيزحمانه ففيها أثرها حتى الساعة، ثم تأتي فتقف لهم حتى يحتلبوا اللبن فترويهم ويوم يشربون الماء لا تأتيهم، وكان معها فصيل لها فقال لهم صالح: إنه يولد في شهركم هذا مولود يكون هلاككم على يديه، فولد لتسعة منهم في ذلك الشهر فذبحوا أبناءهم، ثم ولد للعاشر ابن فأبى أن يذبح ابنه، وكان لم يولد له قبله شيء، وكان أبو العاشر أحمر أزرق، فنبت نباتاً سريعاً، فإذا مر بالتسعة فرأوه قالوا: لو كان ابناؤنا احياء كانوا مثل هذا: فغضب التسعة على صالح.
وأخرج ابن المنذر عن ابن جريج في قوله: {ولا تمسوها بسوء} قال: لا تعقروها.
وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي في قوله: {وتنحتون الجبال بيوتاً} قال: كانوا ينقبون في الجبال البيوت.
وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد في قوله: {وعتوا عن أمر ربهم} قال: غلوا في الباطل. وفي قوله: {فأخذتهم الرجفة} قال: الصيحة.
وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي مالك في قوله: {فأصبحوا في دارهم} يعني العسكر كله.
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن زيد في قوله: {فأصبحوا في دارهم جاثمين} قال: ميتين.
وأخرج عبد بن حميد عن قتادة {فأصبحوا في دارهم جاثمين} قال: ميتين.
وأخرج عبد الرزاق وأبو الشيخ عن الحسن قال: لما عقرت ثمود الناقة ذهب فصيلها حتى صعد تلاً فقال: يا رب أين أمي رغا رغوة فنزلت الصيحة فأهدتهم.
وأخرج أحمد في الزهد عن عمار قال: إن قوم صالح سألوا الناقة فأتوها فعقروها، وان بني إسرائيل سألوا المائدة فنزلت فكفروا بها، وإن فتنتكم في الدينار والدرهم.
وأخرج أبو الشيخ عن وهب قال: إن صالحاً لما نجا هو والذين معه قال: يا قوم إن هذه دار قد سخط الله عليها وعلى أهلها فأظعنوا وألحقوا بحرم الله وأمنه، فاهلوا من ساعتهم بالحج، وانطلقوا حتى وردوا مكة، فلم يزالوا حتى ماتوا، فتلك قبورهم في غربي الكعبة.